مقاربات المشروع
7- الموجهات المنهجية الكبرى لمشروع إحياء نظام تربوي أصيل
- ليس غرض المشروع أن يضيف رقما جديدا ضمن مجموعة مؤسسات التعليم السائدة، وإنما يتطلع إلى تحقيق إضافة نوعية مبدعة. وهو ما لا يتحقق باســتنســـاخ تجـــارب أخــرى ـــ غابرة أو حاضـــــرة ـــ وإنما بإعمال النظر في النصوص المؤسِّسة وفحص التجارب التربوية، قديمها وحديثها، معتمدا كل ذلك في بناء نظامه التربوي الجديد الأصيل والمتميز.
- ويتخذ المشروع من الينابيع الأصيلة مرجعا للتفاعل البناء مع الفكر التربوي الإنساني والتجارب التربوية المعاصرة، مدققا النظر فيها جميعا من أجل تمثل عناصر فاعليتها، ومجتهدا في سدّ أوجه الخلل والقصور التي تعتريها، بغية إغنائها والإضافة النوعية إليها.
- ورغم التأكيد على أهمية التفاعل البناء مع التجارب الإنسانية وما يرفدها من نظريات تربوية، فإنه ليس من منطلقات المشروع القيام بعمل “توليفي” أو “تلفيقي” بين “الأصيل” و”المعاصر”. كما أنه لا يسعى إلى قراءة الأصالة من منظور “حداثي” يَحول دون اكتشاف الإمكانات الذاتية الإبداعية للأمة أو يحول دون فهم “الأصالة” إلا بما يسمح به هذا المنظور الضيق. وإنما يعمل على الاستفادة من التجارب التربوية المعاصرة بما يحقق له إدراكاً أمثل لإمكانياته التربوية الذاتية، وبما يمده بفاعلية أكبر، تفتح له مجال الإبداع والتفوق الحضاريين؛ بعبارة أخرى: ليس من مقاصد المشروع الوصول إلى عمل استنساخي لما هو موجود في الحداثة وإلباسه ثوب “الأصالة“، وإنما، على وجه التعيين، انطلاقٌ من الأصالة لبناء إبداعي لنظامه التربوي، مستفيدا من “الحداثة” من أجل مزيد من التمثل للأصالة التي تضمن لهذا النظام الصمود والقدرة على المنافسة العالية والتميز على المستوى الإنساني، حاضرا ومستقبلا، والعمل على تحقيق إضافات إبداعية تسهم في تجديد حياة الإنسان. والهدف من كل ذلك في المحصلة النهائية هو تربية أجيال متميزة إيمانيا وقيميا وعلميا ومهنيا وإبداعيا بحيث تكون فاعلة بقوة في عصرها ومستقبلها.
- لذلك فإن العودة إلى الينابيع والمصادر الأصلية، التي تدخل في تحديد هُويتنا، وقراءة مضامينها وضوابطها، واستلهام مقاصدها ومعانيها ــــ في رسم المشروع لملامح التربية الأصيلة ــــ لم تكن قطعا للتواصل مع الغير أو الانغلاق على الذات؛ فالانفتاح على الثقافات، أيا كانت، يُعد إحدى الموجهات الكبرى للمشروع، بيد أن هذا الانفتاح على الغير في بناء المشروع لم يكن خنوعا وتبعية، وإنما إغناء وإخصابا.
- لقد انبنى المشروع، ولا يزال، على مبدأ جوهري، وهو الالتزام بالمنهجية والموضوعية، من مبدئه إلى منتهاه، وفي جميع جزئياته. غير أن هذا الحرص على القدر الواسع من المتانة العلمية لا ينبغي أن يغفل عمّا تستلزمه هذه الخاصية المميزة من الحاجات المتأكدة للإبداع والخيال والفكر الجديد والخلاق، وبالتالي التحرر من أسر التقليد والمعهودية، لذلك فتح المشروع أبوابه لعلماء الأمة، ومفكريها، وخبرائها، أيا كانت اتجاهاتهم الفكرية، واجتهاداتهم الخاصة، إيمانا بأن أي تطوير ذي معنى لا يمكن تصوره دون وجود آراء واجتهادات متنوعة تتاح الفرصة والمناخ لطرحها بانفتاح والتعامل معها بموضوعية.
بهذا، فإن المشروع يقدم نفسه كخيار موجَّه لكل الأمة، ومنفتح على جميع فئاتها وأطيافها.